Monday, July 2, 2012

رد العلمانية على دعاة الدولة الدينية

2 يوليو 2012 | صحيفة السودان
اتهم مساعد الرئيس السوداني؛ نافع علي نافع، “دوائر صهيونية” بالسعي لإثارة الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وأوضح أن مثيري تلك الاحتجاجات يريدون إلغاء الشريعة الإسلامية من حياة السودانيين، معتبراً ما يجري صراعاً بين معسكري الشريعة والعلمانية.
وقال نافع لدى مخاطبته نفرة أهل التصوف، احتفالاً بليلة النصف من شعبان بالخرطوم، يوم الأحد، إن “دوائر صهيونية داخل الولايات المتحدة وغيرها تحاول استغلال القرارات الاقتصادية الأخيرة داخل السودان لزعزعة الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد”.
وقال نافع إن الحكومة تمتلك الأدلة على وجود تنسيق تام بين الجماعات المتمردة في دارفور وساسة في جنوب السودان، ودوائر “صهيونية” في الولايات المتحدة لتخريب السودان ـ دون أن يكشف عن تلك الأدلة ـ قائلاً: “الذين يسعون إلى تحريك الشارع باسم الهامش أو الضائقة الاقتصادية واهمون”.
معسكران متصارعان
نافع يؤكد أن الخلافات التي شهدها اجتماع المعارضة تعود إلى اختلاف بشأن إقرار الشريعة الإسلامية من عدمه موضحاً أن السودانيين يعلمون ما يدور داخل تلك الاجتماعات
وقال نافع علي نافع: “ما يحدث صراع حقيقي بين معسكري العلمانية والشريعة”. وتابع: “كل ما يحاك ضد الوطن يقصد به إلغاء الشريعة الإسلامية من حياة السودانيين”، مؤكداً تمسك الحكومة بتطبيق الشريعة مهما كانت التحديات.
وذكر نافع أن الخلافات التي شهدها اجتماع تحالف قوى الإجماع الوطني المعارض من خلال فشل اجتماعاتها، إنما تعود أسبابها إلى اختلاف بشأن إقرار الشريعة الإسلامية من عدمه، موضحاً أن أهل السودان يعلمون ما يدور في داخل تلك الاجتماعات.
وأكد مساعد الرئيس قدرة الحكومة على كشف “كافة المخططات التي يحيكها أعداء الوطن”.
وشهد السودان أخيراً حركة احتجاجات في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى ضد تدابير اقتصادية قاسية فرضتها الحكومة.

          ونحن كذلك يا نافع، نعتبر أن الصراع في السودان منذ الإستقلال هو صراع بين العلمانية والشريعة. نحن فقط نختلف معك في أننا لا نعتبر أن لمذهبك الشرعي أي صفة قانونية تجعله قاهرًا فوق العباد والبلاد. وأن القانون الذي يسود السودان يجب ألاّ ينحاز لمذهب ديني دون المذاهب الأخرى، وألاّ ينحاز لجماعة سودانية دون الجماعات الأخرى، وأن يكون قائمًا على أساس المواطنة لا على أساس الدين، حتى يتكنّى لك أن تتمتع بحرية دينك، ويتكنّى لنا أن نتمتّع بحريات دياناتنا، دون أن ينقص ذلك من مواطنتنك السودانية، أو ينقص ذلك من مواطنتنا السودانية.

نحن مواطنون سودانيون علمانيون نفتخر بسودانيتنا ونفتخر بعلمانيتنا. ولا نعتقد بأنك جاهل وتخلط بين العلمانية واللادينية على طريقة المطوّعين السعوديين الجاهلين عمدًا بما يضرّ بوضعهم السياسي والإجتماعي وامتيازاتهم القانونية في المملكة. فالعلمانية ليست الدعوة للفسوق والفواحش كما يطيب لكم تصويرها لمناصريكم، ولا يعقل أن تعوّلوا على منطق كهذا لتكسبوا كسبًا سياسيًا آنيًا لا يجر وراءه سوى الخسارات الوطنية الكبرى. فتطبيق الشريعة الإسلامية لا يحتاج لحكومة ذات عزيمة قوية تصر على تطبيقها بأي ثمن، لأن تطبيق الشريعة الإسلامية يعني إلتزام جميع المواطنين بالرضوخ لمذهب شرعي واحد، سواء كانوا من أصحاب ذلك المذهب أم كانوا من أهل الذمة مع أصحاب ذلك المذهب. وهذا لا يتأتى – كما ذكرنا – بقوة شكيمة الحكومة، ولكن بتدوير عجلة الزمان نحو الوراء، والعودة بالتاريخ لما قبل العصر الحديث، ورمي المواثيق الدولية جانبًا، وتقسيم أقاليم كوكب الأرض الجغرافية على أساس دار الحرب ودار السلم. وبما أن ذلك من رابع المستحيلات، فلن يجدي الحكومة فتيلاً أن تتمسّك بالشريعة الإسلامية، فسنّة الله في الأرض أن الزبد يذهب جفاءًا، وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
فما تمسككم بالشريعة إلا الزبد، لأن تطبيقها ظلم للمواطنين من غير المعتقدين فيها، عدوان على الدين باستغلاله لظلم المواطنين، فما لمثل هذا جاءت الأديان. ولو انكم أردتم أن يسلم الدين من ظلم أصحاب الحق في وطنهم، لجعلتم حق المواطنة هو أساس التشريع وليس الدين. فدينك لك نكفل حمايته في علمانيتنا ووطننا لنا جميعًا لن نسلّمه لدين جماعة دون الأخرى . ولا نسالك في دينك بعد أن نكفل لك حمايته، ولكن نحارب في وطننا كل معتدٍ حتى نفني أعداء الوطن عن بكرة أبيهم ولو متنا دون ذلك أجمعين. طبّق شريعتك في بيتك وعلى من يرتضي من أهلك لا شأن لنا بك وبحريتك الدينية، واترك دولتنا بعيدةً عن أحلامك الدينية، فلسنا ملك يمينك يسري علينا دينك، ولا دولتنا معمل تجارب لأفكارك الظالمة.
العلمانية هي فصل المؤسسات الدينية عن الدولة، والشريعة الإسلامية التي تريد تطبيقها هي خطاب مؤسسة سنية سلفية لا يعتقد فيها معظم المسلمين السودانيين، ناهيك عن المسيحيين وأصحاب كريم المعتقدات المحلية واللادينيين من السودانيين. وأنت وحكومتك لا يحق لك أن تغيّر المواطنين عنوةً عن معتقداتهم، ولا يحق لك ولا لحكومتك تحديد شروط انتمائهم لوطنهم، أو سحب المواطنة عن المواطنين على أساس الدين. فصل المؤسسات الدينية عن الدولة مبدأ ديموقراطي لحماية الدولة من تغوّل جماعة دينية على حقوق بقية المواطنين في الدولة، ولحماية الدين من حشره في تحديات سياسية ليست من صميم وظيفته الروحية في حياة الإنسان ولا يكسب الدين منها سوى العداء وعدم الثقة. وقد تعايشنا مع حركات إسلامية كثيرة تهتدي بهدي الدين في آيديولوجياتها وصياغة مواقفها السياسية، ولكنها تحترم العلمانية وفصل المؤسسات الدينية عن الدولة وكفالة الدولة لحرية الأديان كمبدأ ديموقراطي لا تتأتى الممارسة الديموقراطية بدونه. وكنّا نعتقد أن هذا هو الفرق بينكم في الإتجاه الإسلامي وبين السلفيين والوهابية وجماعات أنصار السنة والتكفير والهجرة وبقية المهووسين دينيًا. والآن وقد كشّرتم عن وجه الدولة الدينية ورفض المبدأ العلماني فإننا ننصحكم بأن هذا الطريق الذي اخترتموه يصطدم بحريات وحقوق المواطنين، وسيكون لحقوق وحريات المواطنين القدح المعلّى في هذا الصدام، فالحق دائمًا أولى أن يتّبع.
فالصراع الحقيقي فعلاً صراع بين الشريعة والعلمانية، ولكن الشريعة فيه ليس لديها مقومات البقاء، لأنها لا تنتمي لكل الشعب، ولأن الدولة دولة كل الشعب، وليست دولة البعض من أولي الحظوة والسلطان. هذا إلى جانب عيوب إسلامية أصيلة في هذه المدعوّة "الشريعة" ليس هذا مجال الكلام فيها، فنحن نتحدّث عن الدولة وليس عن اختلافاتنا الدينية، والدولة الديموقراطية يجب أن تحتمل الإختلافات الدينية بين مواطنيها، ولذلك من الحتمي والضروري أن تكون دولة علمانية.
المهم