Sunday, July 22, 2012

من هو المسلم العلماني؟

إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون(المائدة 44)

    أكتب هذه المرّة بهدف أن تقوى عزيمة العلماني المسلم في وجه دعاوى الدولة الدينية. خصوصًا وأن العلمانية من أصل الدين ومن دعواه التي تؤكد أن الدين لله وحده لا شريك له، وأن الإنسان محاسب على اتباعه للفطرة والتفكّر والتعقّل عبادةً لله جل وعلا. فالله لا ينزع عن الإنسان حرية الاختيار ثم يحاسبه على خياراته؛ ولا ينزع عنه قدرة التفكير ثم يقول "إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ۝ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ۝ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (المدّثّر 18-20).

    فالعلمانية هي فصل الدين عن مؤسسات الحكم وتحييد خيارات الإنسان الدينية عن سلطان الحكم والدولة، فإن كان الله قد اعطى الإنسان مقدرة التفكير الحر والإرادة الحرة للإيمان به أو الكفر به، ثم وعد بمحاسبة هذه الإرادة الحرة حسابًا عادلاً؛ فمن الطبيعي أن يأمر بعدم فرض سلطة تطغى باسمه على هذه الإرادة الحرة، ومن الطبيعي أن يكون أمر السلطات الإجتماعية والسياسية ذات الولاية على إرادة الفرد الحرة، محايدة دينيًا وعلمانية حتى لا يقع طغيان على حرية الإرادة باسم الله ودينه. فإذا كان المسلم هو من أسلم وجهه لله الواحد، مخلصًا له الدين، ولم يجعل له أندادًا يعبدهم من دونه، ولم يشرك بعبادته مالم ينزل به سلطانا؛ فإن المسلم العلماني هو من فعل ذلك ثم "حكم بما أنزل الله" حفاظًا على المسافة بين الدين وأنظمة "الحكم بين الناس". ولتفصيل معرفة المسلم العلماني ومعرفة الكيفية التي يحكم بها، سنتناول بعض ما أنزل الله بعين متأملة وقراءة متأنية ومتفكّرة، عسى أن "نسمع أو نعقل" بعض ما جاء به النذير البشير من "ما أنزل الله".
أولاً: الحكم
قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ۝ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ۝ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ۝ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۝ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ۝ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ۝ قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ۝ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ (الأنعام 57-64)
    "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ۝ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ۝ وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (القصص 68-70) الحكم لله أولاً وأخيرًا ومطلقًا "ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين" وهو يرد في "ما أنزل الله" في سياقات متشابهة تبدأ بأن شرط تجربة الإنسان الفعلية مع مطلق "الحكم" لله يخبرها حين "يرد" إلى الله و "يرجع" إليه وإنّا لله وإنّا إليه راجعون. فما أن يرجعون لربهم ويردون لعالم الغيب والشهادة فينبّؤهم بما كانوا يعلمون حتى يقفوا أمام الحقيقة الجلية أن الحكم إلاّ لله وحده لا شريك له. والحكم المطلق لله في الحياة الدنيا يراه من كُشِف عنهم الغطاء بعد غفلة، بالبصر الحاد بعد البصيرة التقية. والحكم هنا هو الإرادة المطلقة لإصدار مصير محدد لشيء من الأشياء، ثم السلطان والمقدرة المطلقة على تطويع ذلك الشيء ليحول لذلك المصير، فتصير الإرادة "حكمًا" بالمقدرة على تنفيذها. والله المريد القادر الحاكِم الحكم العدل. والحكم لغةً هو ملكة تعقّل الأشياء وتقييمها باستخدام الحكمة منعًا للجهل، وأصل الحكم المنع. وقد جاء في مقاييس اللغة أن:
"الحاء والكاف والميم أصلٌ واحد، وهو المنْع.
وأوّل ذلك الحُكْم، وهو المَنْع من الظُّلْم.
وسمِّيَتْ حَكَمة الدابّة لأنها تمنعُها يقال حَكَمْت الدابةَ وأحْكَمتها.
ويقال حكَمت السَّفيهَ وأحكمتُه، إذا أخذتَ على يديه. قال جرير:
*أبَنِي حَنيفة أحْكِمُوا سُفهاءَكم إنّي أخاف عليكم أن أغْضَبَا

والحِكمة هذا قياسُها، لأنها تمنع من الجهل.
وتقول: حكَّمت فلاناً تحكيماً منعتُه عمّا يريد.
وحُكِّم فلانٌ في كذا، إذا جُعل أمرُه إليه.
والمحكَّم المجرِّب المنسوب إلى الحكمة. قال طرفة:
ليت المحكَّمَ والموعوظَ صَوْتَكُما تحتَ التُّرَاب إذا ما الباطلُ انكشَفَا"
    لذا فقد جاء في "ما أنزل الله" قوله في سورة يونس ﴿37﴾ "قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" أي كيف تمنعون عن أنفسكم الجهل باستخدام الحكمة لتعقّل المفارقة وتقييمها للخلاص بنتيجة أيهما أحق أن يتبع: من يهدي؛ أم من لا يهدي إلاّ أن يُهدى؟ فبهذا تصير ملكة "الحكم" هي ملكة التقييم والتعقّل. فكيف "يحكم" (أي يقيّم ويتعقّل) المسلم العلماني؟ لقد ذكرنا آنفًا أنه يحكم "بما أنزل الله" ومن احسن من الله قولا؟
ثانيًا: الحكم بين الناس
    "الحكم بين الناس" غير "الحكم" المطلق أو "حكم" التعقّل والتقييم. و "الحكم بين الناس" هو النظام القضائي الذي يطلق الأحكام القضائية النافذة في موضوعات الخلاف "بين الناس". ومن "يحكم بما أنزل الله" فإنه يعقل ويقييم أنظمة "الحكم بين الناس" بالمعايير الواردة في "ما أنزل الله". وعلى هذه المعايير سنقيس "ما يحكم به بين الناس" و "ما لا يحكم به بين الناس" حسب "ما أنزل الله".
    بما أن الحكم في إطلاقه لله رب العالمين، فقد أمسك عن أن يعجل في الحكم بيننا في الحياة الدنيا، ولو انه يعجل الحكم بيننا بذنوبنا لأفرغ الأرض وما ترك فيها من دابةٍ تدب فوق ظهرها، ولكنه كتب على نفسه الرحمة (التي وسعت كل شيء) وارجأنا لقيام الساعة حيث نرد إليه ونرجع فيحكم بيننا بالعدل. فإن كان هذا هو أمر "حكم الله بين الناس" فلا يجوز أن يأتي من يدّعي أنه "يحكم بين الناس" نيابةً عن الله أو بتفويضٍ منه أو اتباعًا لما ورد في "ما أنزل الله". فكل سياقات "ما أنزل الله" في "حكم الله بين الناس" تقول بأن ذلك "الحكم بين الناس" ليس في الحياة الدنيا. ومن يقول بغير ذلك فهو يفتري على الله كذبًا أو يقول على الله ما لا يعلم، أو يتبع أهواء وأساطير الأولين باعتبارهم أندادًا لله يناقض كلامهم كلام الله ورغم ذلك يتبعونهم بغية الإستفراد بالحكم باسم الله وبتفويضه ونيابةً عنه. من يجعل لله أندادًا ويتبعهم فقد ضل ضلالاً كبيرا، لا شك في ذلك؛ ولكن من يجعل لله أندادًا ويتبعهم بغية الإستيلاء على سلطة "التحاكم بين الناس" فهو ليس ضال فقط، بل هو من عبدة "الطاغوت". و "الطاغوت" هيكل غيبي كالملكوت يختلف في قيامه على الطغيان. والطغيان هو "الحكم بين الناس" بالظلم وإجحاف الحقوق. فمن "يحكم بين الناس" بغير "ما أنزل الله" هو من يدّعي أنه "يحكم بين الناس" باسم الله ونيابةً عنه، وهو بالتالي يحكم بالطاغوت ويفتري على الله الكذب، فالله لم يأمر في "ما أنزل" أيّ من عباده أن "يحكموا بين الناس" بأمره. بل قال في "ما أنزل" في سورة البقرة ﴿255-258 " اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ۝ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۝ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ۝ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". فالذين يدّعون أنهم يحكمون بين الناس باسم الله لم يفهموا معنى الحاكمية لله ومعنى الملك لله، يعتقدون أنهم يحيون ويميتون باسم الله، وبأسماء سموها مثل "الرجم حدّاً" و "حد الردة" و "حد الحرابة". الله يأتي بالشمس من المشرق، فهل يستطيع عبدة الطاغوت أن يفتونا بأحد "الحدود" يأتي بالشمس من المغرب؟
    الآن وقد اتضح "ما لا يحكم بين الناس به" شيئًا ما، وهو الحكم باسم الله وباسم دينه، نأتي لما ورد في "ما أنزل الله" لمن أراد استخدام "ما أنزل الله" معيارًا يحكم به لتحديد كيفية "الحكم بين الناس". يقول الله تعالى في "ما أنزل":
1.      إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ۝ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ۝ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا ۝ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا ۝ فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ۝ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا ۝ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ۝ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (النساء 58-65)
2.       أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۝ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ۝ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ۝ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ۝ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۝ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ۝ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ۝ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ۝ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ۝ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ۝ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (المائدة 40-51)
    نلاحظ تكرار الأمر بالحكم "بما أنزل الله" والتحذير لمن "لم يحكم بما أنزل الله". ويأتي ذلك بعد إنزال الأمر للرسول بأنه إن حكم أن "يحكم بينهم" بالقسط، والأمر للناس كافّةً أنه إذا "حكمتم بين الناس" أن تحكموا بالعدل. فالأمر الوارد في "ما أنزل الله" و المعيار للمسلم الذي يريد أن "يحكم بما أنزل الله" في مسألة "الحكم بين الناس" أنه "العدل والقسط" وميزانهما ميزان العدل والقسط الذي وضعه الرحمن حين رفع السماء، وليس لهما مرجعية غير ذلك الميزان الموجود داخل كل إنسان وكل حيوان. ومن أراد أن يحرّف الكلمات عن مواضعها فيستخدم كلمة "الحكم" بديلاً لكلمة "الحكم بين الناس" فيضل ضلالاً بعيدا. وتحريف الكلام عن مواضعه وتحميل العبارة غير ما تحتمل وادّعاء أنه من عند الله وما هو من عند الله إنما هو عمل الطاغوت يخرجون به الذين آمنوا من النور إلى الظلمات.
    المهم