بوست المداخلة اليتيمة بمنبر سودانيزاونلاين
والله ترحيب خاص بى "ودالقبايل العيدروس" (وهو لقب – لو تعلمون – عظيم!) ... وسأبدأ بالمواصلة من حيث انتهى ثم عودة لما انقطع ... وذلك للقيمة النوعية الشحمانة في مداخلاته وليس استخفافًا بأحد (خصوصًا شقيقتي وصورة "الترباس" الممتعة!) ...
أولاً لا أتفق
معك على تسمية البرجوازية بأنها "شرهة" فهذا وصف عاطفي أضيف لإخراج
البرجوازية عن دورها الريادي في المجتمع ... فالبرجوازية الخاملة أو غير الطموحة
هي البرجوازية التي تعلقت مصالحها بالإستعمار وتركها في رأس السلطة والهيمنة على
المجتمع ... والبرجوازية النشطة التي أتى بها التيار الإسلامي هي برجوازية لم
نعهدها في السودان من قبل ولكن لا يعاب عليها نشاطها ولا أنحو نحو وصمها بالشراهة
... بل الطموح غير المعهود ... (هذا في تناول حركة الطبقة ككل وليس تبرير لحالات
الفساد ... فالفساد في كل الطبقات هو الإستثناء وليس القاعدة!) ...
ثانيًا ... بعد قيام الثورة الفرنسية ... عاب عليها كارل ماركس أنها "ثورة برجوازية" ... فقرمشت* المادية التاريخية الثورات الماركسية، وعضدت وجود الثورة الفرنسية ... فما المشكلة لو كانت "ثورة الإنقاذ الوطني" التي نظمها تيار الكيزان "ثورة برجوازية"؟... بل لا اعتقد أن هنالك من ينكر أنها ثورة برجوازية أو يدّعي أنها غير ذلك ... فهذا سياق آخر لحلول التعايش مع الكيزان على المدى البعيد لأن كل مؤشرات الواقع تقول بأننا سنفتقر لأدوات التوازن مع الكيزان لزمن طويل إن لم نرسم لأنفسنا خطّاً موازيًا ... والإقصائية لن تخدمنا ولن تزيل الكيزان عن الوجود وليست مناسبة مبدئيًا مع الفعل الديموقراطي ... فنحن نحتاج برجوازية فاعلة ونشطة وطموحة تخرج من تيارات غير التيار الإسلامي ... فالبرجوازية هي التي تشكّل طموح وهوية وقيمة المجتمع ... والبرجوازية محدودة الأفق والمرتبطة اقتصاديًا بالاستعمار الجديد تؤدي للتبعية الإقتصادية وفقدان الإستقلالية والسيادة على القرار الوطني المحلّي ... بمثال بسيط الرأسمالية الوطنية أمثال "اسامة داوود" و "عثمان دانفوديو" مثلاً ... هم مصدر قوة للدولة واستقلالها بالقرار السياسي عن التبعية الإستعمارية خارجيًا وهم أيضًا مصدر قوة للرأي الآخر وأساس للتوازن داخليًا .... لأنهم برجوازية نشطة وطموحة وتصبو لآفاق أبعد من الواقع المتردي الحالي ... فهل سننعتهم أيضًا بلقب "البرجوازية الشرهة"؟ أمثالهم من الفكر الرأسمالي الليبرالي كان يجب أن يكون في قمة الحركة السياسية والطبقة البرجوازية وليس برجوازية صغيرة من المطبّعين مع الإقطاعيين الخمّل ذوي النزعات الطائفية والأفق المحدود على التبعية لمحاور الهيمنة العالمية ... يعني نموذج يختلف عن "ابو العلا" و "الشيخ مصطفى الامين" كمؤسسات اقتصادية محلية ...
فأنت محق ... انها ثورة برجوازية ... رأسمالية منفتحة على الغرب ... صادرة عن تيار إسلامي لا تأنف المعارضة من التحالف مع مفكّر ذلك التيار ومهندس آيديولوجيته ... وهذه عوامل نجاح واستمرارية وليست عيوب مثالب ... ولا تكون عيوب ومثالب إلاّ إذا أضفنا صفة "شرهة" لتلك البرجوازية (لعن الله الشره، فهو من الأمراض المهلكة التي تصيب النفس ... اللهم نجنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا!) ...
فما فعله الكيزان – للدقة في الصياغة – هو تغيير اجتماعي واقتصادي وسياسي تقوده برجوازية التيار الإسلامي التي تختلف عن البرجوازية التقليدية المهيمنة منذ الإستعمار والتي ارتبطت بما يسمّى "أزمة الحكم المزمنة في السودان" ... وهذا التغيير يرقى لتصنيف "ثورة" في حساباتنا المتواضعة ... لأنه تغيير جذري في حيوات الناس حسب ما تشير إليه المؤشرات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية ... استخدمت فيه أدوات حداثوية من تدريب كادر وتمكين سياسي واقتصادي وإداري وابتداع حلول ثورية غير مجربة ومبنية على حسابات آيديولوجية وفكرية بحتة بغرض تغيير الواقع ...
إن كان لدي عليك مأخذ يا عيدروس؛ فهو أنك تتعامل مع "القبلية" و "الإقطاع" وكأنهما صنوان رغم أنهما طرفي نقيض ... فكلاهما سابق للحداثة وتأثير العلوم السياسية والإجتماعية على حيواتنا ... ولكن "الإقطاع" يقوم على تركيز رؤوس الأموال عند قلة بينما "القبلية" مشاعية تقتسم القبيلة فيها الماء والنار والكلأ والحرث والنسل والأرض ... فبينما انتقل الغرب للدولة المدنية الحديثة انتقالاً سلسًا من الإقطاع ... فشلنا نحن في الإنتقال للدولة المدنية الحديثة من القبلية ... ببساطة لأننا ما اعتدنا ابتداع حلولنا ونقلنا النموذج الغربي للدولة الحديثة كما هو ... وخير مثال لذلك تمسّكنا غير المبرر بالديموقراطية البرلمانية رغم عدم مناسبتها مع تعدديتنا الكثيفة ...
_____________________ _____
طراجي ... لو
لاقيتك بالدرب فدا حا يكون احترامًا للدم البيجاوي في أصولك وما نكنّه في إرثنا من
تقدير خاص للأنثى ... وأعلن قبل اللقاء المرتقب عن شجبي التام للسياسات
الإسرائيلية ضد إيران وشجبي لإعادة قصف قطاع غزة واعتراضي المطلق على بناء
المستوطنات وسياسات التفرقة العرقية التي تمارسها دولة إسرائيل غير الشرعية على
المواطنين الفلسطينيين ... والله أكبر .... :)
___________________________
وعودة لمداخلة الغد اليتيمة ... التي سأخصها للتسوية السياسية المحتملة وسبل إنجاحها ...
(وأنوه أن
مناقشات داخلية لحزب الخضر السوداني لست مفوّض بالتصريح عنها تسير بشكل عام نحو
الدعم المطلق للثورة الشعبية كما سيبين في بيان مرتقب للحزب، وأن المكتوب هنا
يعبّر عن وجهة نظري الشخصية وليس عن موقف الحزب!)