Saturday, June 30, 2012

تعقيب على ما يحدث من وراء الكواليس ...




    لا زالت اشباح الماضي السياسي المزري تحاول التسلل للحاضر عبر الثورة الشعبية الحالية. فقد دبّروا بليل أمر "وثيقة البديل الديموقراطي" ويريدون فرضه على الواقع تحت تبريرات واهية مثل "يجب أن تتوحد الأصوات في هذه المرحلة" أو "المهم هو إسقاط النظام الآن" حتى يذروا الرماد على عيون القارئ الحصيف للوثيقة التي تتآمر على حق الشعب في المشاركة في صنع قراره السياسي. يريدونها تفويضًا أعمي للأحزاب لتقرر من يكون على رأس الدولة ومن يكون في الحكومة ومن يصنّف من شذاذ
الآفاق في الريف والحضر. ويريدون أن ينتزعوا من الولايات والمحليات حق أن تدير نفسها في ردّة قبيحة للدولة المركزية سبب تهميش الملايين وطامّتنا السياسية التي لا زلنا نحاول الإنفكاك منها. فاستقلال والي القضارف بقرار ولايته لم يعجب الدولة المركزية فألقت القبض عليه للتحقيق معه، وفوز والي النيل الأزرق بالأغلبية الساحقة رغم انه ليس من المؤتمر الوطني دفع الدولة المركزية لاحتلال ولاية النيل الأزرق عسكريًا وتعيين والي عسكري غير مشروع عليها، وانتخابات والي جنوب كردفان أعادتنا لمربّع الحرب الأهلية، بينما هؤلاء الثعالب يريدون حرماننا من جبهات النضال هذه بفرض مركزية الدولة وإلغاء النظام الإتحادي الذي يصوّت فيه السودانيين لولاة ولاياتهم ولممثليهم في المجالس التشريعية الولائية. يريدونها "مديريات" كما في الإستعمار قالوا ...

    بالإمس القريب احتفلت مصر بأول رئيس جمهورية منتخب منذ الأزل، فاز بثقة شعبه في غياب السلطة التشريعية المنتخبة التي قامت بحلها المحكمة الدستورية، وأقسم على حماية "الجمهورية" تحقيقًا لأشواق ثوار ميدان التحرير في الديموقراطية، بينما لصوص الثورات عندنا في السودان خرجوا علينا بفكرة جهنمية  بإلغاء ثقة الشعب في السلطة التنفيذية وحقه في التصويت عليها، وتحويل السلطة التنفيذية إلى لعبة اتفاقات ومبايعات حزبية يراعون فيها مصالحهم الحزبية طالما أن رأي الشعب غائب. فالوثيقة تعلن عن هجر "الجمهورية" والنظام الرئاسي واستبداله بمجلس رأس دولة بالتعيين وليس له سلطات وترك الحكومة ألعوبة في أيدي الأحزاب التي تنفرد بالقرار المركزي أيضًا بإلغائها للولايات والنظام الإتحادي. وهكذا بينما دول العالم من حولنا تؤسس لمستقبل أفضل من حاضرها، نثور نحن على واقعنا، ثم يأتي لصوص الثورات لتحويل ثورتنا إلى ردة نحو الماضي الأسوأ.

    يشتكي المهمّشين في المؤسسات التي تمثّلهم من حركات عسكرية متحالفة في "الجبهة الثورية السودانية" وحركات نضال مدني في منظمات يجمعها "منبر المهمّشين السودانيين" (ويقال أيضًا "منبر الهامش السوداني" ولدينا تحفّظ لغوي على الإسم) من أنهم غير معترف بوجودهم كجزء من الوطن في تدبير "وثيقة البديل الديموقراطي" المصممة خصيصًا لسرقة الثورة الشعبية. غير معترف بوجودهم كجزء من الثورة السودانية التي يجب استشارتها في صياغة أي بديل ديموقراطي في مستقبل الأيام، وغير معترف بوجودهم في لب التصوّر المستقبلي المطروح في هذه الوثيقة المشبوهة التي تتحدّث بصورة استعلائية مركزية عن وقف إطلاق نار وعن تنمية لتستر التآمر على السلطة والثروة والإنفراد بهما في المركز في معادلة غير متوازنة كتلك التي أدت لثورات الهامش منذ الإستقلال. ويشتكي منتمون للقوى الحديثة في المركز الممثلة في تجمّع القوى الديموقراطية الحديثة "توحّد" من أن لصوص الثورات لم يستشيروهم في محتوى "وثيقة البديل الديموقراطي" والرؤية المستقبلية المطروحة فيها.

    الوثيقة تتغوّل صراحةً على الديموقراطية الليبرالية ولا تعترف بمبدأ الفصل بين السلطات وحق الشعب في التصويت على السلطة التنفيذية ممثلة في رئاسة الجمهورية تصويتًا حرًا مباشرًا. ووتغوّل صراحًة على الهامش ولا تعترف بتوزيع الثروة والسلطة بدعوتها لإلغاء النظام الإتحادي وتمتّع الولايات بسلطات تنفيذية وتشريعية منتخبة ومستقلّة عن المركز في الخرطوم، فالوثيقة تدعو لنظام المديريات الذي وضعه الإستعمار والذي يدار بواسطة "مارشال المديرية" (وهو تعبير استخدمه بعض مفكّرينا لوصف عيوب خصومهم السياسيين) وليس للشعب في هذه المديريات سلطات حقيقية يصوّتون عليها. والوثيقة تتغوّل على هذه المبادئ الديموقراطية التي ناضل من أجلها الهامش السوداني لعقود من الزمن وصاغها شهيد الديمقراطية الراحل جون قرنق دي مابيور في دستور نيفاشا الساري الآن والذي يتبرّم المؤتمر الوطني من الإلتزام به وسمّاه الرئيس الحالي عمر البشير "دغمسة". يريد لصوص الثورة أن يريحوا البشير وأنصاره من هذه "الدغمسة" ويلغونها له باسم ثورتنا هذه، فتأملوا. وفوق كل هذا وذاك، تدور الشائعات في المدينة، أن سبب عدم الإتفاق على "وثيقة البديل الديموقراطي" أنها لا تتغوّل صراحةً على فصل الدين عن الدولة، ولا تعلن الدولة الإسلامية صراحةً وهذا هو سبب رفض بعض الأحزاب التوقيع عليها، فنتساءل:

    إذا كنتم تريدون "الدولة الإسلامية" كبديل "ديموقراطي" لنظام البشير؛ فلماذا تثورون عليه؟ (أو في الحقيقة تسرقون الثورة عليه)



    المهم